- النظريات الاجتماعية الماركسية من ماركس حتى ألتوسير، عرض موجز(1)
- بقلم: د. وليد اللهيوي
يرى كارل ماركس وحدة المعرفة والواقع والإنسان والطبيعة والعلوم الاجتماعية والفيزيائية، كما يرفض التخصص الحديث في العلوم الاجتماعية.
رغم أن جذور الفكر الماركسي تعود إلى الجدل الهيجلي وإلى النقد التنويري إلّا أن نظرية الصراع الطبقي عنده لم تكن هيجلية المنشأ، ولكنها تعود إلى الاقتصاديين البرجوازيين قبله.
تأثر ماركس بهيجل في مسألتي الاغتراب والجدل الذي حوّله من جدل مثالي إلى جدل مادي، كما تأثر أيضا بالمفكّر الفرنسي سان سيمون أستاذ مؤسس علم الاجتماع المعروف أوغست كونت، ورغم ذلك فإن فلسفة كارل ماركس تعًدُّ مناقضة تماما لفلسفة كونت التي رفضها ماركس رفضا تامًّا.
تعتبر المادية الجدلية من أهم المقدمات الفلسفية للنظرية الاجتماعية الماركسية، صاغها ماركس بعد دمج الجدل الهيجلي بمادية فيورباخ، دمج أفضى به إلى اعتبار الفكر نتاجا للمادة، عكس ما يرى المثاليون.
يرى الباحثون في الفكر الماركسي أن الفكرة الرئيسية التي أخذها ماركس عن هيغل هي صراع الأضداد، ولكن ماركس يدّعي أن أستاذه قلب الأمور حين جعل الإنسانية تمشي على رأسها بتصوره المثالي لحركة التاريخ، ذلك أن هيغل يرى أسبقية الفكرة على المادة، وكذلك يختزل هيغل حركة التاريخ في حركة الأفكار وصراعها.
يرى ماركس على خلاف أستاذة أن الطبيعة المادية هي الشيء الحقيقي، أما الفكرة المطلقة التي يؤكد عليها هيغل فهي لا تساوي شيئا بالنسبة له، بل إن مصدر الفكر بالنسبة لماركس إنما هو الإنسان مجهّزا بجهاز مادي للتفكير هو المخ، ولا يمكن تصور وجود فكر بدون وجود الإنسان.
يقوم المنهج الماركسي في دراسة الظواهر على مجموعة من المبادئ من أهمها اعتقاد وجود ترابط شامل بين ظواهر الكون التي تحكمها حركة مستمرة متفاعلة وبين الطابع الشمولي للواقع.
من هذه المبادئ أيضا مبدأ التغيرات الكمية التدريجية والمحدودة التي تؤدي إلى تغيرات نوعي جذرية ثورية ومفاجئة، تأخذ فيها هذه التغيرات اتجاها تقدميا.
من ضمن هذه المبادئ مبدأ التناقضات الداخلية التي تفضي إلى الحركة والتطور، ذلك أن كل ظاهرة أساسية في الطبيعة أو المجتمع تحمل في داخلها عناصر متناقضة تتفاعل جدليا فيما بينها مُفضية إلى حركة وتطور ينتج عنه ظواهر جديدة لم يكن لها وجود من قبل.
أوّلا: المادية التاريخية، وهي عبارة عن تطبيق المادية الجدلية على المجتمع ما يؤدي إلى تصور مادي للتاريخ في تطوره، حيث ترى الماركسية أن البناء التحتي الاقتصادي للمجتمع هو الذي يتحكم في البناء الفوقي وما يتضمنه من نظم قانونية وسياسية وأفكار فلسفية ودينية في كل مرحلة من مراحل التاريخ.
ثالثا: الاغتراب، يبدأ الاغتراب كظاهرة اجتماعية نتيجة انفصال العمال عن وسائل إنتاجهم وعن عملية الإنتاج نفسها في نمط الإنتاج الرأسمالي، حيث يصبح العامل أشد فقرا كلما زاد إنتاجه وكلما زادت الثروة التي ينتجها، فكلما ازدادت قيمة الأشياء التي ينتجها العامل انخفضت قيمته كإنسان في هذا العالم.
رابعا: سوسيولوجيا المعرفة، تترجم أساسا في العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي، إذ أن أفكار الطبقة المسيطرة في كل عصر هي الأفكار السائدة، فالطبقة النافذة مادّيا تتمتع في نفس الوقت بنفوذ فكري، والطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج المادي تسيطر في نفس الوقت على وسائل الإنتاج الفكري، لذلك تخضع لها فكريا الطبقات الخاضعة لها ماديا لأن الطبقات الخاضعة تفتقر إلى وسائل الإنتاج الفكري.
إثر وفاة كارل ماركس سنة 1883 بدأ الجدل يتصاعد حول مضمون فلسفته خاصة داخل الحزب الاشتراكي الألماني، وفي سنة 1899 نشر إدوارد برنشتاين كتابه "جدل المراجع" استعرض فيه قضيتين تدور كلاهما حول دعوى الماركسية بأنها علم اجتماعي، فحسب رأيه إذا كانت الماركسية علما فيجب أن تكون قابلة للبرهان الإمبريقي، وأن تكون مدعومة بنظرية في الأخلاق.
أما الماركسية الأرثوذوكسية للحزب الاشتراكي الألماني والتي يمثلها كاوتسكي الذي أعطى أهميّة للعوامل الأخلاقية والإديولوجيّة، فإنها تصوّر تطوّر الاقتصاد الرأسمالي تدريجيا نحو الانهيار المحتوم.
التصوّر اللّينيني للماركسية (مرحلة السيطرة البلشفية 1917 - 1956) :
تبنى لينين تصورا للماركسية بوصفها الثورة البروليتارية، وكرّس كل جهده في تنظيم سياسي نشط للإفادة من تطبيقات الماركسية في مجال الاستراتيجية السياسية، وقد أسهم آخرون في تطوير الماركسية كمذهب سياسي إلى جانب لينين من أبرزهم تروتسكي، ثم بعد ذلك تحوّلت الماركسيّة السوفياتيّة إلى أيديولوجية خادمة للسلطة مع ستالين.
بعد الحرب العالمية الأولى ظهر الكاتب والمفكر المجري لوكاتش الذي أكد على أهمية الوعي الطبقي والنشاط السياسي في الانتقال إلى الاشتراكية، في كتابه التاريخ والوعي الطبقين يعرف لوكاتش الماركسية بأنها "ليست في المحل الأول أكثر من التعبير الفكري عن العملية الثورية ذاتها". ويواصل مذهبه طارحا أساسا نظريا فلسفيا للتصور اللينيني عن الحزب ودوره حيث يقول إن الماركسية "هي الوعي الطبقي الحقيقي للبروليتاريا" التي تمتلك حزبا شيوعيا يعبر عن مشكلها التنظيمي. وبوجه عام فقد اتجه لوكاتش إلى رفض النظر إلى الماركسية بوصفها علما وضعيا للمجتمع مثل علم الاجتماع، والتأكيد على فهمها بوصفها فلسفة نقدية تعكس رؤية البروليتاريا الثورية للعالم، كما كانت الفلسفة المثالية الألمانية هي التعبير النظري والفكري للبرجوازية الثورية.
تيار آخر ظهر بين الحربين العالميتين واستمر بعد ذلك عرف، باسم مدرسة فرانكفورت أو المدرسة النقدية، انطلق هدا التيار من معهد الأبحاث الاجتماعية التابع لجامعة غوته. اعتبر رواد هذه المدرسة من أمثال أدورنو وهوركهايمر أن الماركسية إنما هي نقد للأيديولوجيا أو نقد شامل للثقافة البورجوازية، كما تؤكد المدرسة النقدية على دور الوعي والنشاط الهادف المقصود بوصفه عنصرا أساسيا في خلق أو تغير شكل اجتماعي معين، والوعي في تصور هذه المدرسة ليس مجرد ظاهرة انعكاسية، أي ليس مجرد انعكاس محدد لظروف الإنتاج المادي وليس نتاجا للتفاعل بين الإنسان والطبيعة على نحو مبسط كما يفهم البعض، بل هو قدرة مستقلة ومتميزة على استخدام اللغة والتواصل مع الآخرين وخلق الرموز وانتهاج التفكير الرمزي.
نشأت الماركسية البنيوية مع ألتوسير الذي سعى إلى تطوير نظرية في المعرفة تقابل الإمبريقية سعى من خلالها إلى إعادة قراءة الماركسية عبر منهج التحليل البنيوي.
يرى ألتوسير أن صراع الطبقات ليس صراعا بين البشر وإنما هو انعكاس آلي لعلاقات الإنتاج ولا دخل لمسألة الوعي في التطور التاريخي.