عنوان المقال: أهمية الخصوصية في الحياة الإنسانية.. مفهوم قد يختفي في المجتمع الحديث
الخصوصية حق إنساني يجب الحفاظ عليه:
تعتبر الخصوصية حق لكل فرد، فكل إنسان له الأحقية في حصوله على الخصوصية، بمعناه الحرفي: "التصرف بتلقائية أو انعزال عن نظر الآخرين" أما من الناحية الاجتماعية، فهي تعني حق الفرد في التحكم بالكشف عن الجوانب الشخصية وأحيانًا الأسرية، أو التحكم في الوقت المناسب أو لأي مدى للكشف عن تلك الجوانب. فيحق لكل فرد الموافقة أو الرفض لمشاركة تلك المعلومات أو البيانات الشخصية أو الظروف الحياتية. ويرتبط مفهوم الخصوصية بحقوق الإنسان، فالخصوصية تحقق للإنسان الاستقلالية والكرامة، وهي تعتمد على الأخلاق والقيم الفردية وإن دل تواجدها وتطورها دل على تطور ونمو المجتمع؛ لأنها تعد أقرب ما يعبر عن أفكار الفرد والمجتمع وعن تطور تلك الأفكار. والخصوصية تختلف من مجتمع لآخر، بالإضافة لذلك فهي تختلف من فرد لآخر، إعتمادًا على التفضيلات الشخصية أو معتقدات الشخص حول نفسه، وقد ترتبط بالمرحلة العمرية، والظروف الشخصية. فنجد في بعض الأحيان شخص يشعر بالخجل بجانب من حياته، ويخشى رأي الآخرين حول هذا الجانب، فقد يرفع من مستوى خصوصيته. فالأحوال الإنسانية لها دور كبير في اختلاف مفهوم الخصوصية بالنسبة للأشخاص. من ناحية أخرى، فمفهوم الخصوصية داخل المجتمعات يعد من أكثر المفاهيم والحقوق اختلافًا عبر الحدود الزمانية والمكانية. وتتحول هذه المفاهيم عبر الزمن، باختلاف العادات والقيم والتقاليد والتعليم والانفتاح، وخاصة مع عملية العولمة، فقد أدت لتحولات اجتماعية عديدة ومن أبرزها مفهوم الخصوصية. نظرًا لإتاحة العديد من التطبيقات التقنية (كوسائل التواصل الاجتماعي) التي أصبحت متوفرة لمعظم الأشخاص تقريبًا في كل مكان بالعالم. وبما أن الإنسان هو كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر بالبيئة الاجتماعية، فنلاحظ مع ازدياد نشر البيانات والمعلومات الشخصية، بات مفهوم "الخصوصية" بالتغيير والتطور أو حتى بالتلاشي، داخل مختلف المجتمعات. خصوصًا عند إستخدام الإنترنت بكثرة، فالخصوصية هنا تعتبر من الناحية الاجتماعية "حاجة ملحة" من أجل التحقيق بين الاختلافات الفردية والثقافية لكل مجتمع بشري. في حين أن تنظيم الخصوصية، يعد حركة مرتبطة بكل ثقافة وكل مجتمع باختلاف التحكم بتنظيم تلك الحركة، إقترانًا بالجوانب النفسية والسلوكية. مثال على ذلك، يتم النظر الآن للمنظمات والشركات ومواقع التسوق الإلكتروني التي تمتلك مستخدمين متعددين من ثقافات ومجتمعات متنوعة، بأخذ الاعتبار باختلاف الثقافات بين الشعوب مما يحقق الخصوصية. وقنوات التواصل ساهمت في انتهاك الخصوصية، ونرى ذلك من خلال نشر الأشخاص للأخبار والأحداث والأنشطة الخاصة بحياتهم الشخصية. فالإنسان بطبيعته يتأثر بما يشاهده ويعتاد عليه، ويؤدي هذا الاعتياد لربط الأحداث اليومية مع وسائل التواصل الاجتماعي، إلى اعتقاد البعض أن تلك العادة تعد أمر ثابت غير قابل للتغيير في حياة الإنسان، وأن مفهوم الخصوصية تحول لنمط قديم.
آثار انتهاك الخصوصية:
تتمثل أبرز الآثار السلبية لانتهاك الخصوصية، في إحداث أضرارًا متعددة، منها تقنية أو مالية أو نفسية أو اجتماعية. وأيضًا تتمثل في تفاقم الخلافات داخل العلاقات الاجتماعية والعاطفية، وذلك من خلال تقليل الاحترام أو الاتهامات أو إضعاف مبدأ الثقة بين الطرفين في أي علاقة. أيضًا تؤثر تلك العادة السلبية على الشخص المنتهك لخصوصية الآخرين، من خلال إهدار وقته وطاقته في مراقبة حياة الناس، بدلًا من تحقيق الأهداف والنفع الذي يعود على حياته. وكذلك تُحدث تلك العادة مقارنات مؤذية، تتمثل في مراقبة تطورات الآخرين وإنجازاتهم، التي لا تقدم أي منفعة شخصية للفرد. وقد تسبب عادة التدخل في شؤون الآخرين بتقليل الاحترام للفرد، وذلك يرتبط أيضًا بالسماح لهم بانتهاك خصوصيته هو الآخر. ومن الآثار السلبية الحديثة لانتهاك خصوصية الآخرين، انتشار مشكلة التنمر الإلكتروني.أهمية الحفاظ على الخصوصية:
ينطوي على أهمية الحفاظ على الخصوصية الشخصية، سمات جوهرية، أهمها الاستقلالية الفردية، بمعنى عند توافر الفرصة الكاملة للفرد للتعبير عن نفسه وعن مشاعره بكل تلقائية، فهذا يولد لديه انعزاله الجزئي عن جماعته، وهذا الانعزال تحديدًا يدفعه لمعرفة سماته الشخصية، وتعيين نقاط ضعفه وقوته. فبالتالي، يصبح قادرًا على إدراك أهدافه ورغباته وإمكانياته، فيتخذ قراراته الشخصية بنفسه، ويساعده ذلك في تحقيقه لتلك الأهداف باعتماده على نفسه كليًا. كما تشكل تلك الأهمية في تحقيق كرامة الفرد، فالجميع لديه مشكلاته وظروفه الخاصة، ومن أجل حماية الشخص لكرامته الفردية، يجب عليه إظهار الاحترام لحياته الشخصية؛ لأنه عند قيام الفرد بعرض تفاصيل تلك الحياة الشخصية أمام الملأ، على وجه الخصوص في تطبيقات التواصل الاجتماعي، قد يتلقى الفرد كلمات جارحة أو ساخرة. فعند انتهاكك لخصوصيتك قد يعرضك ذلك للإساءة، وهنا بالوضوح تجرح الكرامة الفردية. ويجب على كل شخص محاولًا حفظ كرامته، أن يحفظ كرامة الآخرين وفق مراعاته لخصوصياتهم. وتكمن أيضًا فوائد الحفاظ على الخصوصية، في استبقاء الهدوء النفسي والاستقرار الأسري، "حياة يقودها عقلك أفضل بكثير من حياة يقودها كلام الناس" -وليم شكسبير. فإن الكشف عن الأحداث اليومية وتفاصيل الفعاليات الحياتية في مواقع التواصل الاجتماعي، قد يُحدث ذلك الشعور بالقلق حيال نظرة الآخرين، علاوة على ذلك، قد تصل لربط القيمة الذاتية بتفاعل الآخرين عبر تلك المواقع. ولدوام السكينة والراحة داخل العلاقات الاجتماعية، ينبغي الامتناع عن عرض المشاكل الشخصية والخلافات العائلية أو العلائقية؛ لأن ذلك يسبب في فيض الآراء من أشخاص قد يكونوا غير مناسبين أو لا يملكون الخبرة الكافية لحل تلك المشكلات، فذلك يشكل اضطراب بالعقل لإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات. فالمحافظة على الخصوصية تقلل من تدخل الآخرين في شؤون الحياة الخاصة.
ويرتبط مفهوم الخصوصية بارتفاع مستوى الإبداعية، فالخصوصية تحقق النيل على الإسترخاء وصفاء الذهن ومراجعة النفس، فيسهم ذلك في التخطيط والتنظيم المناسبين لتحقيق الأهداف، فالخصوصية هنا تساعد في حماية الأفكار الإبداعية ومداومة التحفيز للوصول أسرع. والخصوصية تدير وتحافظ على السمعة المجتمعية، بدلالة على ذلك، عند إتاحة تفاصيل التجارب الشخصية للجميع، قد يتعرض الفرد للتوصيم بصفات مشينة، لاستعجال حكم الآخرين بشكل خاطئ. وأحيانًا تلك الصفات الموصومة قد تكون صحيحة، ولكن لكل فرد الحق في الحصول على فرصة التغيير الإيجابي والنمو، فإذا كانت المغفرة بيد الله عز وجل، والتغيير الإيجابي هو حق لكل فرد، فلماذا نسمح بحدوث ذلك؟ لسبب بسيط وهو "إهمال الخصوصية"، بالرغم من أنه لا يمكن السيطرة كليًا على السمعة المجتمعية. وتفيد الخصوصية في المواظبة على الحدود الشخصية داخل العلاقات الاجتماعية، وهذه الحدود هي حدود مادية ومعلوماتية وشخصية وغيرها، فانتهاك الخصوصية يشكل تجاوز لتلك الحدود. والخصوصية تحقق الثقة في العلاقات الإنسانية، سواء كانت علاقات شخصية أو مهنية أو حكومية أو تجارية، فنجاح العلاقات يكمن في تحقيق الثقة بين الأطراف. ذلك أن الخصوصية توفر الوضوح بين الآخرين، إذا تحققت الثقة المتبادلة.الحدود المناسبة للخصوصية
لكل إنسان الحق الكامل في الحصول على خصوصيته وانعزاله، والقيام بأموره الشخصية بعيدًا عن أعين الآخرين، فله الحق في التعبير عن نفسه وعن أفكاره ومشاعره بما أباحه الله، أي فيما لا يسيء لنفسه ولا لغيره. على أنه مع التطور التكنولوجي اختلف مفهوم حدود الخصوصية، فيعتقد المفكرين بأن الخصوصية تقل مع كل ازدياد لاستخدام الإنترنت والرقمنة. بالرغم من أن الخصوصية تعد فطرة إنسانية تختلف درجتها من شخص لآخر، ومن مجتمع لمجتمع، وحتى في الأزمنة تتطور. فعند ضبط حدود الخصوصية، يقرر ذلك تعامل الآخرين في تلك الحدود، للحفاظ على الخصوصية الفردية. وتنص الخصوصية في الإسلام بتحريم التجسس
بقول الله تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا) سورة الحجرات [آية ١٢].