مراحل نشأة علم الاجتماع تاريخيا:
وفي العصر اليوناني جاء الرواد الاوائل من السفسطائيين وكانوا أول من اهتم بقضايا الإنسان والمجتمع، ويرى هؤلاء أن نظماً وضعية (الظواهر الاجتماعية) تظهر في شكل عادات وتقاليد وأعراف سعياً وراء تحقيق أغراض معينة، وإذا لم تتحقق هذه الأغراض يتغير النظام الوضعي، حيث يتلاءم مع طبيعة التطور المستمر في المجتمع. وجاء أفلاطون بعد ذلك وتخيل من خلال كتابه (الجمهورية ) مجتمعاً مثالياً يقسم به الناس إلى ثلاث طبقات وهي : طبقة الفلاسفة والحكام، وطبقة الجند والمحاربين، وطبقة الزراع والصناع.
ثم جاء بعد ذلك أرسطو فكان أكثر واقعية من سلفه أفلاطون واعتبر أن الإنسان مدني بطبعه، ولا يمكن له أن يعيش بمعزل عن الآخرين بل لابد له أن يعيش في مجتمع وبين جماعة، ولا يمكن بالتالي فصل الإنسان عن الحياة الاجتماعية، وهذه الأفكار أسس للحياة الاجتماعية التي اعتبر من خلالها أن الأسرة هي اللبنة الأولى في تكوين المجتمعات.
وفي العهد الروماني ميز الفلاسفة في هذا العهد بين الدول كنظام سياسي، وبين النظم الاجتماعية الأخرى، وقالوا بأن النظام السياسي يجب ألا يتدخل في النظام الاجتماعي، وفي ذلك وضع شيشرون فكرة الجامعة الإنسانية، أي النظام الذي يقوم على فكرة حكم أفراد الجنس البشري بواسطة قوانين موحدة، وهي قوانين الطبيعة.
ثم بعد ذلك تأثر الفكر بفلسفات الشرق ممثلة بالصين وفلسفات الغرب ممثلة بفلسفة اليونان والرومان إلى أن جاء الإسلام، وأثر وتأثر بالأفكار والفكر في ذلك العصر وفيما بعد، وظهر ابن خلدون (1332 ـ 1406م) فأحدث تغييراً في مفهوم علم الاجتماع، وتحدث في موضوع المجتمع البشري في سكونه وحركته، وسمى هذا العلم علم العمران البشري، فأضاف بذلك عنصر الإنسان إلى المجتمع.
أثار ابن خلدون سؤالاً حول « هل يخضع المجتمع البشري في حركته لقانون يحدد مساراته، أم أنه يسير بطريق عشوائية ؟»
وحتى يجيب ابن خلدون على هذا السؤال قام بعدة رحلات في العالم العربي الإسلامي الذي كان يمتد في زمانه من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، فبحث ودرس ودقق على أسس علمية لمعرفة الحياة في المجتمعات المتعددة، كما بحث في طرق العيش، والعلاقات التي تربط الأفراد والجماعات، والحاكم والمحكوم، وفي النهاية توصل ابن خلدون إلى أن التطور الاجتماعي يخضع إلى النظام الاقتصادي وفسر هذا التطور على أساس اقتصادي بحت، لأنه يبدأ ثم يزدهر ثم ينتكس، وخرج بنظريته المعروفة في تغير المجتمعات والبشر(نظرية التغير الدائري) التي أفرزت قانون الأطوار الثلاثة وهو أن القانون الطبيعي الذي تخضع له الدول يمر في نشأة ثم ازدهار ثم اختفاء وهكذا.
ثم جاء الفرنسي سان سيمون(1760 – 1825م) وكان أول من نظر إلى التطور الإنساني نظرة تقوم على دراسة الواقع، فأول داعية لإنشاء علم للإنسان يرتكز مناهج العلوم المجردة، وقد أدرك ضرورة قيام هذا العلم الجديد، وأسماه الفيزياء الاجتماعية، وكان يقول إن لدينا فيزياء فلكية وفيزياء أرضية، وفيزياء آلية أو ميكانيكية، وفيزياء نباتية وحيوانية، ولكننا لا نزال بحاجة إلى فيزياء أخرى هي الفيزياء الاجتماعية وهي تقوم على دراسة الظواهر الاجتماعية دراسة موضوعية. على أن ينظر إلى هذه الظواهر بنفس الروح الذي ينظر إلى بها إلى الظواهر الفلكية والطبيعية والكيميائية.
وحدد سان سيمون منهج علماء الاجتماع فيما يلي:
- دراسة المجتمع الإنساني في بنيته ونظمه وظواهره.
- دراسة أشكال التحول الاجتماعي في النظم الاجتماعية.
- دراسة العلاقات القائمة بين وحدات المجتمع المختلفة.
أما سبنسر فيرى أن المجتمعات تبدأ من حالة الفطرة والبساطة ثم تتطور إلى أن تصل المجتمع الأسمى المنشود، وهذا المجتمع عند سبنسر هو المجتمع الاشتراكي، إلا أن سبنسر ومن كتابه (دراسة علم الاجتماع) ذكر أن التقدم مسألة مقدرة على الإنسان، ولكن تغير المجتمعات نحو الانحلال والتفكك، أو التقدم والتماسك يتحكم فيه ظروف معينة تحتمها ظروف معينة تحتمها طبيعة المجتمع.
- أصحاب النزعة الكمية : وهم يؤمنون بالقياس الكمي للظواهر الاجتماعية وهي عبارة عن أحجام قابلة للقياس والعمليات الاحصائية.
- أصحاب النزعة السلوكية (النفسية):ويركز هؤلاء على التحليل الاجتماعي مع التركيز على السلوك الفردي في كل موقف من المواقف الاجتماعية في إطار ثقافة المجتمع.
- أصحاب النزعة الوظيفية: وهم الذين يفترضون استخدام أدوات القياس باعتبار أن التحليل الوظيفي يهدف إلى التعرف على الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الظاهرة في النظام الاجتماعي ككل.