- عنوان الكتاب: نشأة الإنسان والانتقاء الجنسي ج1 و ج2 وج3 PDF
- تأليف: تشارلس داروين
- تقديم: د. مجدي محمد المليجي
- الناشر: المشروع القومي للترجمة - المجلس الأعلى للثقافة
 |
حول كتاب نشأة الإنسان والانتقاء الجنسي:
عندما لا يتقبل أي إنسان نظرية التطور الاحيائي، فإن ذلك يكون بدافع الغرور وجنون العظمة، ولكي يؤكد لذاته صحة ما يذهب إليه تفكيره، من تجاهل رؤية وفهم ما يدور حوله، فإنه يلتمس المعونة مما تجمع لديه، في غضون القرون القليلة السابقة، من تراث ومعتقدات وأساطير، ويقنع نفسه بصوابها بالرغم من غموضها، ويشيح بنظره عن الحقائق بالرغم من وضوحها...والصنف الإنساني في مرتبته الحالية، في التكوين العضوي الأرضي، بمثابة الزهيرات الرائعة التلوين، المنتثرة على الغصينات الطرفية، الكاسية بشجرة باسقة، في موسم الربيع. فبالرغم من جمالها وكثرتها، التي تغطي على كل ما تحمله الشجرة، ابتداء من جذورها، إلى جذعها، وفروعها، وأوراقها، فإنها ترى نفسها، على أساس أنها الجزء الرئيسي، وربما الوحيد، الذي يستحق الذكر في الشجرة، وترى باقي الأجزاء على أساس أنها أقل مرتبة منها بكثير، وأن كل ما يدور من عمليات حيوية في الشجرة، هو من أجلها، على أساس أنها أشياء غريبة ومتدنية، ولا تعترف بأنها من شأن الأخيرة أن تتفتح، إلى زهيرات يافعة مماثلة لها، وتنظر إلى الأشواك المحيطة بها، باستنكار ولا تقر بجداواها في توفير الحماية لها ولغيرها، بل وتنظر إلى الفروع والأغصان، التي تقوم بحملها بازدراء، ولا تستوعب أنها قد انبثقت عنها، وأنها التي توفر لها سبل الإعاشة. وهذا هو الحال بالضبط مع الكائن الإنساني، الذي يظن أن الأرض وما عليها مخلوقة من أجله، وبما أنها هي المستقر له، فإنها مركز الكون، وغاب عن ذهنه أنه بمثابة تزهير ربيعي عابر، وأن أقدم تاريخ له على سطح الأرض، لا يتعدى ربع مليون سنة، بينما يمتد عمر الكائنات الحية المتعضية، إلى ما يقارب أربعة بلايين، وعمر الأرض نفسها يتعدى خمسة بلايين. والكون ما يربو على خمسة عشر بليونا.
وما قام به جاليلو جاليلي منذ نصف الألفية من كسر معتقد أن الأرض هي مركز الكون، يماثل ما قام به دارويين منذ قرن ونصف في كسر المعتقد الخاص بتفرد الكائن الإنساني، وقطع ارتباطاته العرقية مع سائر الكائنات الحية.