ميادين علم الاجتماع PDF - دروس علم الاجتماع s1

  • ميادين علم الاجتماع PDF

  • الأستاذ: ذ. عمر ايبورك

  • دروس علم الاجتماع الفصل الأول

تاريخ علم الاجتماع:

إن الهموم الفلسفية و الأخلاقية حول طبيعة المجتمعات من أجل تحسينها هي قديمة قدم التفكير الفلسفي و السياسي، لكن علم الاجتماع كعلم قائم بذاته لم يظهر إلاّ في اللحظة التي تمّ فيها التفكير في الوقائع الاجتماعية منفصلة عن أحكام القيمة.

فالسلوك الاجتماعي للإنسان من أهمّ الموضوعات التي اهتمّ بدراستها الفكر البشري من أقدم العصور إلى اليوم، و لأن التفاعل بين الأطراف، أي العلاقات الاجتماعية، تمّت دراسته من طرف الفلاسفة و المؤرّخين و الأدباء، كلّ منهم درسه من وجهة نظره الخاصة. لكن نظرة عالم الاجتماع تهتمّ بتحليل السّلوك الاجتماعي من وجهة نظر علمية موضوعية لفهم و تفسير العلاقات الاجتماعية و ملاحظة التغيّرات التي تطرأ على حياة الجماعات، وقد حاولت العلوم الإنسانية بصفة عامّة، و علم الاجتماع بصفة خاصّة الانفصال عن المعارف الفلسفية بتبنّي مناهج و قواعد علمية للتوجّه نحو الظّواهر الاجتماعية و الثّقافية و محاولة فهمها و تفسيرها بتأثير من العلوم الطبيعية كالبيولوجيا و غيرها.

رواد علم الاجتماع:

هل يمكنك الحديث عن رواد علم الاجتماع انطلاقا من القرن 19 عندما ظهرت العلوم الإنسانية في أوروبا دون الرّجوع إلى المفكّر العربي ابن خلدون ( عاش في ق 8/9 ه. 14/15 م ) '' توفّي عام 1406 م ''.

يعالج ابن خلدون الظواهر الاجتماعية و التي يسمّيها '' واقعات العمران البشري''، و يقول في نصّ المقدّمة ص33: '' إنّ الاجتماع الإنساني ضروري، فالإنسان مدنيّ بالطّبع، أي أنّه لابدّ له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم و هو معنى العمران، و بيانه أنّ الله خلق الإنسان و ركّبه على صورة لا يصحّ حياتها و بقاؤها إلاّ بالغذاء، و هداه إلى التماسه بفطرته و بما رُكِّب فيه من القدرة على تحصيله، إلاّ أنّ قدرة الواحد من البشر قاصرة على تحصيل حاجته..... فلابدّ من اجتماع القُدَرِ الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له و لهم، فيحصل بالتعاون قَدَْرُ الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف.

إنّ هذه الحقائق و الظواهر المتراكمة التي تؤلّف موضوعاً مترابطاً عن المجتمع الإنساني هي التي دفعت ابن خلدون ليُعلن عن ميلاد هذا العلم و يضع له أوّل تعريف بقوله إنّه العلم الذي موضوعه دراسة الظاهرة الاجتماعية منظوراً إليها بنفس الطريقة التي يُنظر بها إلى الظّواهر الفلكية و الطّبيعية و الكيماوية و التشريعية الخاضعة لقوانين تابثة. و يؤكّد ابن خلدون " إنّه العلم الذي موضوعه دراسة العمران البشري و ما يلحقه من العوارض و الأحوال الذاتية واحدة بعد أخرى ''

تعاريف علم الاجتماع:

بعد قرون جاء أوجست كونت المؤسس لعلم الاجتماع الحديث و عرّفه بأنّه العلم الذي يتناول الظواهر الاجتماعية بمنهاج علمي تجريبي دقيق، و بعد ذلك إيميل دوركهايم و هو مؤسّس المدرسة الاجتماعية الفرنسية و عرّفه بأنّه علم الوقائع و الحوادث االاجتماعية، فهو علم يبحث في المؤسّسات الاجتماعية و نشأتها و تطوّرها، و اعتبره العلم الذي يدرس تطوّر المجتمعات و قوانينها، و هنا نلاحظ تأثير بعض العلوم، خاصّة علم البيولوجيا في موضوع علم الاجتماع. 

و من التّعريفات أيضا لعلم الاجتماع من يركّز على أنّه الدراسة المقارِنة و التّحديدية للمجتمعات البشرية انطلاقا من دراسة السّلوك الإنساني المشترك. و من الواضح أنّ هذه التعريفات تتناول في عمومها موضوعا يكاد يكون مشتركا بينها، و هو دراسة المجتمع و إن اختلفت في التّركيز على عنصر أو عدّة عناصر من هذا الموضوع العام، كالعلاقات الاجتماعية أو المؤسّسات أو التغيّر الاجتماعي.

و هكذا يُلاحظ بأنّ الموضوع العام لعلم الاجتماع عند علماء الاجتماع المعاصرين، ظلّ هو نفس الموضوع الذي حدّده ابن خلدون في تعريفه بعبارة العمران البشري، و هي العبارة التي تعادل تماما عبارة المجتمع البشري في عصرنا الحديث.

مواضيع علم الاجتماع:

أشرنا في ما سبق إلى أنّ الموضوع الأساسي لعلم الاجتماع هو المجتمع. و بما أنّ المجتمعات كانت دائما مشتركة في مجموعة من السّلوكات الإنسانية و إن اختلفت مظاهرها و أشكالها و ملامحها، فقد كان من الممكن أن تُلاحظ و تُوصف و تُحلّل و تُفسّر، أي أن تُدرس دراسة علمية، و لذلك أطلق علماء الاجتماع على موضوع هذا العلم، الظاهرة الاجتماعية، و هي الواقعة الاجتماعية التي تُشكّل من السّلوك الثابت أو المتغيّر الذي يمارس ضغطاً على الآفراد، و هي كلّ سلوك ينتشر في المجتمع بأسره وله وجود مستقلّ عن الصورة التي يكون عليها عند الأفراد المستقلّين.

و لا يقتصر مدلول الظاهرة الاجتماعية على نماذج السّلوك السّلبية في حياة المجتمعات كالمشاكل الاجتماعية مثل الإجرام و انحراف الأحداث و الفقر و البطالة و البغاء و الحروب و الصّراعات المختلفة و غيرها، بل يشمل أيضا السّلوكات الإيجابية كالمؤسّسات الاجتماعية و السّياسية و السّلوكات الحضرية كظاهرة التمدين، و قد اعتقد بعض الباحثين في البداية أنّ علم الاجتماع يقتصر فقط على مثل هذه المشاكل الاجتماعية للبحث عن أساليب علاجها..

خصائص الظاهرة الاجتماعية:

  • أوّلا: إنسانية ، أي خاصّة بالإنسان لأنّه الكائن العاقل الذي تميّز بالقدرة على إنشاء العلاقات الاجتماعية على خلاف الكائنات الحيّة الأخرى التي تصدر علاقاتها بدافع الغريزة.
  • ثانـيا: إلزامية ، أي أنّ الفرد يجد نفسه ملزما باتباعها داخل الجماعة التي أقرّتها كقيمة خلقية أو دينية أو كعادة أو تقليد محترم بحيث يتعرّض الفرد لاستنكار المجتمع و سخريته إذا خالفها.
  • ثالـثـا: عمومية ، لأنّها مشتركة بين عدد كبير من الأفراد في ممارستها، و تتكرّر لمدّة طويلة من الزّمن.
  • رابعا: شيئية ، أي أنّها تُدرس كشيء لأنّ لها وجود مستقلّ عن الأفراد و تدخل في إطار نماذج السّلوكات التي يمارسها المجتمع انطلاقا من القِيَم و القواعد التي حدّدها العُرف أو الدّين أو القانون.
  • خامسا: مُكتسبة ، أي أنّ الفرد يكتسبها من المجتمع بإيحاء من العقل الجمعي الذي ينشأ من تفاعل الأفراد.
  • سادسا: متغيّرة ، و التغيّر من الصّفات الملازمة للظّاهرة الاجتماعية التي تتعرّض للتغيّر تحت تأثير الظروف التي يمرّ منها المجتمع.
  • سابعا: معقّدة ، لأنّها نتيجة عوامل متعدّدة، و بسبب هذا التعقّد و التركيب و التّفاعل و التغيّر، تكون دراستها أصعب من دراسة الظاهرة الطبيعية.
  • ثامنا: نسبية ، أي أنّها تختلف شكلا و صورةً و حجما باختلاف الزّمان و المكان.
وعلى الرّغم من هذه الخصائص التي تتميّز بها الظاهرة الاجتماعية، فإنّ بعض علماء الاجتماع يفضّلون مفهوم العلاقات الاجتماعية التي تشكّل المادّة الأساسية لعلم الاجتماع. فسلوكنا الاجتماعي متشابه و يمكن أن نعتبر أنّ مفهوم العلاقات الاجتماعية يدخل في إطار تعريف الظاهرة الاجتماعية بصفة عامّة.

مفاهيم علم الاجتماع:

الشخص الاجتماعي: إنّ الوحدة الاجتماعية التي لا يمكن الانتقاص منها بالتجمعات هي الإنسان أو الكائن الإنساني أو ما يسمّى في علم الاجتماع، بالشّخص الاجتماعي. وما يميّز هذا الشّخص هو القدرة على التفكير و على الاختيار و على اتّخاذ القرارات، أي أنّ الشّخص الاجتماعي هو كائن يدير نفسه بنفسه، وهو مسؤول عن سلوكه الخاص، و يستطيع أن يطوّر شعوره بالمسؤولية نحو الآخرين. 

والشخص الاجتماعي هو الكائن الذي يلعب دورا أساسياً في المجتمع و الثّقافة. ز قد أثبتت الملاحظات أنّ الأفراد ليسوا اجتماعيّين بطريقة متساوية و لا يستخدمون على خير وجه أفكارهم و مواهبهم و سلوكهم، و من هنا تختلف السّلوكات الفردية، وهذا ما يميّز المفهوم الذي اصطلحنا عليه بالشّخص الاجتماعي.

يتميّز الكائن الإنساني بالقدرة على التّفكير والاختيار واتخاذ القرارات. فالشخص يستطيع أن يضع المشاريع ويتصدّى ويتصّور مخطّطات ويتّخذ مواقف المستقبل، وهو المسؤول عن سلوكه الخاص لأنّه يستطيع أن يطوّر شعوره بالمسؤولية نحو الآخرين ويستمدّ المجتمع و الثقافة إلى قابلية الكائن الإنساني رغم أنّ الناس ليسوا اجتماعيين بتسامح، و لا يستخدمون مواهبهم وأفكارهم بنفس الدرجة. و قد يؤدّي ذلك إلى الإبعاد أو الانحراف، و مع ذلك، فإنّ جميع الأفراد يشكّلون أشخاصاً.

فالشّخص الاجتماعي له أبعاد متعدّدة و له عدّة وجوه. فهو كائن مركّب ومعقّد، و يمكن دراسته كوحدات متعدّدة من طرف علماء الحياة و علماء الأمراض، و يدرس من طرف المختصّين في علم الأخلاق و رجال الدين والقانونيين كوحدة نفسية لها رغبات شعورية ولاشعورية يُدرس من طرف علماء النّفس و التّحليل النّفسي وعلماء الأمراض العقلية.

و كوحدة اجتماعية يُدرس في إطار المظاهر المختلفة في ارتباطها بكلّ هذه الأبعاد، بحيث يشكّل ما نسمّيه الشّخص الاجتماعي الذي هو " موضوع علم الاجتماع ". يكون الشّخص اجتماعياً لأنّ سلوكه يخضع إلى الاضطرار والحاجة إلى مشاركة الآخرين، وحتّى الغريب أو المُنعدم يمكن اعتباره شخصا اجتماعيا و إن لم تكن له علاقات مع الآخرين. فكلمة "اجتماعي" تعني أنّه مشترك سلبا و إيجابا في المجتمع، و دراسة المجتمع تهتمّ بالشّخص الاجتماعي والطريقة التي يتعامل بها مع غيره باعتباره وحدة اجتماعية.

مفهوم الشّخصية الاجتماعية:

الشّخصية الاجتماعية هي مجموع الملامح والحركات والقيم ونماذج السّلوك التي تُبرز خصائص مجتمع ما. ولكي يُصبح الفرد كائنا اجتماعيا يجب أن يمرّ بمرحلة التّدريب تؤهّله ليلعب دورا اجتماعيا يستطيع بواسطته أن يتلاءم مع مواقف وسلوك الآخرين. فيتلاءم مع أدوار الآخرين: مع الطّفل، و الرّئيس، والعامل، والأب....الخ. و الفرد لا يكتسب هذه الرّوح الاجتماعية بالوراثة، بل يكتسبها و يتدرّب عليها، لأنّ تعلّم الأدوار يعني تعلّم تحديد الأوضاع الاجتماعية والقدرة على التّجاوب مع الآخرين وتقدير سلوكهم، وكلّ هذه التّصرّفات و السّلوكات تعبّر عن ما يُسمّى بالشّخصية الاجتماعية.

مفهوم الدور الاجتماعي:

الدّور الاجتماعي هو المكان الذي يحتلّه الفرد في المؤسّسة الاجتماعية التي ينتمي إليها، كدور الأب أو الأم أو الإبن في الأسرة، وكدور المدير أو الرّئيس أو الكاتب أو الحارس في المؤسّسات الإدارية و الاقتصادية. و هذا الدّور يخوّل لصاحبه مركزاً اجتماعياً من خلال مجموعة من المزايا و الحقوق، كما يفرض عليه واجبات بحكم القِيم و القوانين الاجتماعية، و مجموع هذه الحقوق المتعلّقة بالفرد داخل جماعة معيّنة، تحدّد له وضعه وتمكّنه من لعب دور اجتماعي محدّد.

مفهوم التغيّر الاجتماعي:

إنّ مفهوم التغيّر الاجتماعي، من المفاهيم الأساسية لعلم الاجتماع و للأنتربولوجيا الاجتماعية، و قد بقي هذا المفهوم شائعا ومختفيا وسط النظريات الفلسفية و السياسية و الاقتصادية. و هنا لابدّ من البحث في دلالته في المجال السوسيولوجي.

انتقل مفهوم التغيّر الاجتماعي من مجال العلوم الطّبيعية وخاصّة البيولوجيا إلى العلوم الاجتماعية، ويجسّد ما نسمّيه الدينامية الاجتماعية من خلال اختراق مجموعة من التوتّرات للنّظام السّائد و المواجهة مع عوامل التّباث و السّكون. وهنا لا بدّ من تعيين اللّحظات التي تتصدّع فيها الأنساق الاجتماعية الرّاكدة، و البحث عن الشّروط الكامنة وراء التصدّع والقطيعة.

إنّ التغير الاجتماعي الذي عرفته المجتمعات المعاصرة، برز عندما انتقل المجتمع من القِيم الموضوعية، مثل العقود والمعاملات المقنّنة بدل الاعتماد على قِيم الأعراف و التّقاليد في المجتمعات التقليدية، حيث يكون التّضامن آلياً، يتميّز بالانغلاق والتّشابه و سيطرة العرف بدل المجتمع المنفتح الذي يسود فيه التّنوّع و تقسيم العمل، و يطبعه التّضامن العضوي. ويمكن تحديد التّغيّر الاجتماعي بالتّعريف التّالي : " هو تلك التعديلات التي تمسّ أنماط الحياة الاجتماعية و الثّقافية في مجتمع من المجتمعات.... كما أنّ التّغيّر في حدّ ذاته قد يتّخذ أشكالا متعدّدة. فقد يكون تغيّراً في التّصرّف الاجتماعي لدى الأفراد، و قد يشمل المجتمع ككل ". Georges Balanier  Sens et puissance". و كان التّباين بين الاتجاهات السوسيولوجية حول العوامل و المظاهر الكامنة وراء التّغيّرات التي تلحق بالمجتمعات.

هل تستند إلى العوامل المادّية، أم إلى المقوّمات الثّقافية و القِيم الاجتماعية؟

الجواب : إنّ تحديد التّغيّر الاجتماعي لا يتمّ عبر محدّد واحد أو عنصر واحد كالاقتصادي أو السّياسي أو الدّيني، لأنّ العلاقات العِلِّيّة في المجال السوسيولوجي جزئية واحتمالية، و يستبعد أن يكون عنصر واحد محدّداً للحقيقة السوسيولوجية .

بل هناك تفاعل بين مجموعة من العناصر، كما أنّه يتبلور من مجموعة من الخصائص، منها ارتباطه بفترة زمنية محدّدة، أو أن يكون بنيويا يشمل البنية الاجتماعية في جل أو بعض مكوّناتها. و التّغيّر الاجتماعي ملحوظ يمكن ملاحظته في الزّمن، و هو يؤثّر في البنية الثّقافية لجماعة معيّنة بطريقة دائمة و مستمرّة. و يقترن التّّغيّر الاجتماعي بالزّمان و المكان.

و لإدراك تحقّقه لا بد من المقارنة بين الفترات والمراحل التي يعرف بها مجتمع معيّن تحوّلات لا إرادية قد لا يعيها أفراده على مستوى أنماط العيش أو استبدال التّنظيم الاجتماعي السّائد، أو تغيّر البنية السّياسية والعقليات والقيم. و هكذا يمكن رصد التّغيّر الاجتماعي على ثلاث مستويات:

  • أوّلا : صيرورة التّحوّلات ونوعية تحقّقها وتطوّرها كظواهر.
  • ثانيا : النماذج و العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع المدروس.
  • ثالثا : الأنساق الحقيقية للنظام الاجتماعي التي تشمل القِوى المتحكّمة في التّغيّر أو الرّافضة له.
ويمكن دراسة التّغيّر الاجتماعي في مجتمع من المجتمعات من خلال مجموعة من التّساؤلات التي تساعدنا على استجلاء حدوده
و شروطه:
  1. هل شروط التّغيّر نابعة من داخل المجتمع أم مفروضة من الخارج؟
  2. ما هي حدود التّغيّر الاجتماعي داخل النّظام الاجتماعي (أو المجتمع)؟
  3. من هم الوسطاء الذين يساهمون في التّغيّر الاجتماعي؟
  4. ما شكل و وتيرة هذه التّغيّرات، و هل هي مقبولة من طرف المجتمع أم مفروضة يتمّ التّصدّي لها؟
  5. كيف تكون العلاقة بين التّنظيمات الاجتماعية و التغيّر الاجتماعي، و كيف تساهم المؤسّسات الاجتماعية في التّأثير و التّأثّر بالبنية الاقتصادية و الثّقافية لمجتمع معيّن؟

ماهي ميادين علم الاجتماع؟

علم اجتماع التّربية / علم النّفس الاجتماعي (التأثير الاجتماعي على السّلوكات الفردية) / علم اجتماع الأسرة / علم الاجتماع القروي / 
علم الاجتماع الحضري / علم اجتماع السّياسة / علم اجتماع الدّين.

علم النفس الاجتماعي:

إذا اعتبرنا أنّ الظّاهرة الاجتماعية لها أبعاد متعدّدة، فقد تعدّدت ميادين علم الاجتماع من أجل تناول هذا التعدّد، و فهم السّلوك الإنساني في مجالات مختلفة، و بذلك تفرّع علم الاجتماع في دراسته للمؤسّسات الاجتماعية، إلى مجموعة من التّخصّصات التي
تبرز لنا علاقته بمجموعة من العلوم الأخرى.

علم النّفس الاجتماعي، علم يدرس السّلوك الاجتماعي للفرد و الجماعة كاستجابة لمؤثّرات اجتماعية، و اعتبارا من أنّ السّلوك الاجتماعي هو سلوك يتأثر بالآخرين، حاضرين أو غائبين. فعلم النّفس الاجتماعي هو عبارة عن الدّراسة العلمية لسلوك الكائن الحي ككائن اجتماعي يعيش في مجتمع يتفاعل مع الآخرين، يتأثّر بهم و يؤثّر فيهم. أي دراسة الفرد في إطار المجتمع من خلال المواقف الاجتماعية أو المجال الاجتماعي، و اكتشاف العوامل التي يتغيّر بتأثيرها سلوك الفرد، و استجابته للمؤثّرات الاجتماعية أو العوامل التي يتغيّر بتأثيرها سلوك الجماعة.

و يهتمّ علم النّفس الاجتماعي ضمن ما يهتمّ به، بعملية التّنشئة الاجتماعية، وهي عملية التطبيع و الاندماج الاجتماعي، تلك العملية التي يكتسب الفرد أثناءها السّلوك الاجتماعي الذي توافقت (تواضعت) عليه الجماعة بتأثير المؤسّسات الاجتماعية.

علم النّفس الاجتماعي: ( ملاحظة:هناك أشياء مكرّرة من الد أمام تعدّد أبعاد الظّاهرة الاجتماعية، عرف علم الاجتماع تخصّصات و فروع متعدّدة حاولت تناول الظّاهرة في بعد واحد من هذه الأبعاد. و هنا انفتح علم الاجتماع على باقي العلوم الأخرى من التّاريخ إلى الجغرافيا إلى الاقتصاد إلى علم اللغة إلى الثّقافة....الخ.

يسعى علم النّفس الاجتماعي إلى اكتشاف العوامل التي يتغيّر بتأثيرها سلوك الفرد في استجاباته للمثيرات الاجتماعية الخارجية، أو العوامل التي يتغيّر سلوك الجماعة بتأثيرها. و يهتمّ علم النّفس الاجتماعي ضمن ما يهتمّ به بعملية التّنشئة الاجتماعية، و هي عملية التّطبيع و الاندماج الاجتماعيين التي يكتسب الفرد من خلالها السّلوك الاجتماعي الذي اتّفقت عليه الجماعة بتأثير من المؤسّسات
الأخرى.

كما يدرس علم النّفس الاجتماعي الجماعة من حيث تركيبها و أنواعها و أهدافها و ديناميتها، كما يهتمّ بدراسة المحدّدات الاجتماعية للسّلوك الفردي مثل التّفاعل الاجتماعي و الاتّصال الاجتماعي و المعايير الاجتماعية و الأدوار و القِيَم. و يسعى إلى تفسير الاتّجاهات النّفسية الاجتماعية و الرّأي العام. إنّ السّلوك الاجتماعي نتاج العلاقات الدينامية التي تصدر عن تفاعل الفرد بميوله و حاجاته و رغباته و نزعاته و حوافزه و آراءه و تصوّراته مع المجال الاجتماعي بما فيه من عوامل مادّية و اجتماعية و رمزية و ثقافية.

إنّ علم النّفس الاجتماعي العام يدرس الفرد دون الرّجوع إلى البيئة الاجتماعية، و هدفه هو اكتشاف قوانين السّلوك، مثل الدّوافع،

الإدراك، التّعلّم، الذّاكرة ن و هي سلوكات فردية يُنظر إليها كظواهر مجرّدة و منعزلة على خلاف علم النّفس الاجتماعي الذي يتناول سلوك الفرد في المواقف الاجتماعية، و كيف تتبلور هذه السّلوكات و تتغيّر داخل التّنظيمات الاجتماعية (الأسرة،الجماعة الدّينية، الجماعة السّياسية.....). 

فالأفراد لا يمكن فهمهم بعيدا عن العلاقات الاجتماعية، و هذه العلاقات لا يمكن فهمها بعيدا عن الأدوار الاجتماعية. و هكذا فإنّ علم النّفس الاجتماعي يدرس كيف ينمو الفرد اجتماعيا و كيف ينشأ و يتطبّع و يكتسب الاتّجاهات و الآراء من مؤسّسات المجتمع الذي نشا فيه، و كيف يؤثّر بدوره على النّموّ الاجتماعي.

فوظيفة علم النّفس الاجتماعي كفرع تخصّصي تنحصر في فهم التّوافق و الانصهار بين النّفسي و الجماعي ممّا يجعل الممارسة النّفسية

الاجتماعية طريقة في التّفكير و السّلوك، لأنّ الجانب الاجتماعي مبنيّ و مشكّل من دوافع نفسية، و العكس صحيح. أي أنّ الفرد نتاج للعلاقات الاجتماعية و الثّقافية، و من هنا يؤكّد علم النّفس الاجتماعي على دراسة الفرد في الإطار الاجتماعي، أو ما يسمّى سيكولوجية الفرد و الجماعة. 

علم الاجتماع القروي كأحد الفروع التطبيقية لعلم الاجتماع العام نشأ علم الاجتماع القروي مع بداية القرن العشرين، و أصبح في حاجة إلى تخصّص علمي يتناول الإشكاليات التي حالت دون تنمية القرى. و قد ظهر هذا التّخصّص العلمي في أمريكا ثمّ انتقل إلى أوروبا، وبعد ذلك إلى دول العالم الثالث لدراسة شروط و عوائق التنمية القروية، و يقدّم تحليلا ميدانيا لهذه الإشكالات. و من خلال تعريف الباحث الأمريكي دوري نيلسون، فإنّه الدّراسة العلمية للعلاقات الإنسانية في البيئة الرّيفية. أي، تحديد العلاقات التي تصنع الحياة الاجتماعية للإنسان القروي، و هو وصف و تحليل للمجتمع القروي عبر الزّمان، لأنّ المجتمعات الحالية هي نتاج لتراكمات تاريخية و لفترة طويلة من التغيّر الاجتماعي، ممّا يتطلّب معرفة الآليات التي ساهمت في تشكيل الظّواهر على صورتها الحالية، و له بعد آخر هو محاولة فهم اتّجاهات الأفراد و دوافعهم الاجتماعية التي تؤدّي إلى تشكيل العلاقات الإنتاجية و تقسيم العمل الاجتماعي.

ما هي حدود و امتدادات علم الاجتماع القروي المعرفية؟

كيف تأسّس علم الاجتماع القروي بداية من القرن الماضي؟ و ما هي مجمل الظّواهر التي يتناولها؟ قبل الحديث عن بداية هذا التّخصّص العلمي و مجالاته، لا بدّ من تحديد مفهوم القرية كمجال يشتغل فيه هذا التّخصّص.

إنّ المعنى الذي تحيل عليه القرية، يختلف باختلاف المدارس السوسيولوجية و اختلاف الإشكاليات التي طرحها هذا المفهوم. هل نفس القرية بمؤشّر إحصائي كما ذهبت إلى ذلك السوسيولوجيا الأمريكية التي تجعل من القرية ذلك المجال الذي يقلّ فيه مجموع السّكّان عن 2500 نسمة، بينما في فرنسا يتمّ اعتماد ألفي نسمة، و في كندا ينحدر المعدّل الإحصائي إلى ألف نسمة، و يصل إلى 200 نسمة في الدّول الاسكندينافية.

إن مفهوم القرية يتجاوز الأرقام الإحصائية، و يصبح الذي يجمع بين مجموعة من الأفراد الذين تؤلّف بينهم روابط ثقافية متعدّدة، و لذلك تصبح القرية عبارة عن شبكة من العلاقات الاجتماعية، وجسم من الوظائف و المؤسّسات ( الأسرة، العشيرة، القبيلة....)
و التي تتفاعل ضمن نسق اجتماعي معيّن تحدّده آليات ضبط و معايير جمعية.

فالسوسيولوجيا القروية تتناول المجتمع القروي عبر مختلف حركياته و فعالياته من خلال التّوجّه إلى دراسة إشكالياته الاجتماعية وأنماط العيش، و المؤسّسات و النّظم الاجتماعية، و العلاقة مع المدينة و غيرها من المواضيع التي تحاول فهم المجال القروي، ولذلك تتقاطع مع مجموعة من العلوم الإنسانية الأخرى كالجغرافيا و الاقتصاد و التّاريخ...

تأسيس علم الاجتماع القروي. ( المدرسة الفرنسية هنري مندراس H.Mendras )m

بحثا عن بداية تأسيس هذا العلم، قام هنري مندراس في مجموعة من الأبحاث لمعرفة الشّأن القروي، وحاول أن يقدّم نموذجا لتحليل المجتمعات الفلاحية. و قد راهن في أبحاثه على الاعتماد على مجموعة من العلوم كالاقتصاد و السّياسة لفهم تفاصيل الوسط القروي. 

و قد عرف بأطروحته " نهاية القرويّين " مبرزا مجمل الظّواهر الاقتصادية و الاجتماعية و التّقنية التي عرفها العالم القروي تحت تأثير التوسّع الصّناعي و تراكم الإنتاج الزّراعي و ضغط السّوق، بحيث أصبح المجتمع القروي الغربي في أيّامه الأخيرة على مستوى السّلوكات الحضارية القديمة، التسيير الذاتي، الاكتفاء الذاتي، التّوفير، بحيث واجه القرويّون وضعية جديدة تميّزت بالتّحوّل المالي و التّقني و العقاري و الاجتماعي، التّأهيل المهني و إنشاء تعاونيات إنتاجية، التّأمين الفلاحي، التدبير العقلاني للإنتاج.

لقد أسّس المجموعة السّوسيولوجية القروية بمشاركة مارسيل جوليفي ‘Marcel Jolliver’، و كان الاشتغال على الكثير من الظّواهر في العالم القروي من خلال مجموعة من الدّراسات المقارنة حول الأرض و علاقة القرويين بالمؤسّسات الاقتصادية و السّياسية، و التي تضمّنت مشروعا كبيرا لرصد عوائق التّنمية. 

و قد اعتبر موندراس السوسيولوجيا القروية في خدمة المجتمع، أي عبارة عن خدمة عمومية تساعد القرويّين على الاندماج في النّظام الرّأسمالي العام. و هكذا، يُعتبر موندراس من أوائل الباحثين في الشّأن القروي الذين حاولوا أن يُقدّموا نموذجا بخصوص دراسات القرية و ما يطرأ فيها من تحوّلات، مستلهمين بعض المفاهيم من دراسات السوسيولوجيا و الأنتروبولوجيا الأمريكية. كما يُعتبر Liberty Hade Dailley، وويليام طوماس من رواد مدرسة شيكاغو الذين بادروا بالبحث في المجال القروي منذ عشرينيات القرن الماضي، في تأسيس سوسيولوجيا قروية تعتمد البحث الميداني التّجريبي للخروج بخلاصات حول ما يُسمّى بمفهوم "الاحتلال الاجتماعي"الذي سيظلّ مهيمنا على جلّ الأبحاث التي حاولت فهم عوائق التّنمية، و قد عرفت السوسيولوجيا القروية الأمريكية نموّا على مستوى

الإنتاج، و تداول المفاهيم و النّظريات، و التي كان لها تأثير واضح لدى كلّ الباحثين سواء في أوروبا أو العالم الثالث.

ماذا عن السوسيولوجيا القروية في المجتمع المغربي؟. هل يمكن الحديث عن مدرسة سوسيولوجيا قروية حول المجتمع المغربي لها توجّهاتها و مفاهيمها؟. و ما هي بعض النّتائج التي إليها لفهم المجتمع المغربي؟

ما يدفعنا إلى التّفكير و التّساؤل، هو صعوبة التّمييز بين ما هو قروي و ما هو حضري، نظرا لطبيعة المجتمع المغربي.

من هنا تُصبح السوسيولوجيا القروية ضرورة ملحّة لفهم مكوّنات هذا المجتمع. يمكنك اعتبار الباحث المغربي "بول باسكون" من المؤسّسين الأوائل لعلم الاجتماع القروي فعلى امتداد من الأبحاث التي تعتمد على البحث الميداني و التّأطير النّظري للمفاهيم العلمية، استطاع أن يحدّد ملامح العالم القروي و أن يُبلور نظريته عن المجتمع المركّب.

استعمل باسكون مفهوم المجتمع المركّب، و انطلق من فكرة مفادها أنّه يصعب بناء نموذج نظري لفهم المجتمع المغربي دون العودة إلى التّاريخ، لأنّ المجتمعات البشرية تاريخية و لو كانت منغلقة على نفسها، فهي تتميّز بديناميكية تداخلية، تولّد تناقضات يتشكّل منها الواقع الاجتماعي، و تطبع هذه المجتمعات بطابع التّركيب و غياب التّوافق و الانسجام. فمن الصّعب الحديث عن نموذج صافي، بل هناك صراع بين مكوّنات المجتمع و أنماط إنتاج متعدّدة، لأنّ المجتمع المغربي لا ينتمي إلى صنف المجتمعات المتجانسة التي تطوّرت في إطار اجتماعي و اقتصادي واضح المعالم، بل هو مجتمع يمتزج فيه ما هو قبلي و أبوي، إضافة إلى اندماجه في النّظام الرّأسمالي العالمي، كما يتجلّى ذلك في ميدان الإنتاج و التّبادل و الاستهلاك.
  • منقول للافادة من موقع: arabsocio
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-