حول سوسيولوجيا آلان توران

 

حول سوسيولوجيا آلان توران

من هو آلان توران:

يعتبر آلان تورين Alain Touraine (عالم اجتماع فرنسي من مواليد عام 1925م.) أحد أهم المنظرين في السوسيولوجيا المعاصرة. فقد قام بعمل دراسات وأبحاث حول العمل، والديمقراطية، والحركات الاجتماعية، وتسمى سوسيولوجيا آلان تورين بالفاعلانية أو التدخل السوسيولوجي. كما يعرف بأبحاثه في مجال سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية، وحول نظرية الفعل، ومن أهم أعماله، عمله الرئيسي بعنوان سوسيولوجيا الفعل Sociologie de l’action. إلى جانب ذلك، له مؤلفات عديدة مثل: تطور عمل العمال في معامل رينو(1955)، الوعي العمالي (1969)، إنتاج المجتمع (1973)، المجتمع ما بعد الصناعي (1989)...إلخ.

آلان توران والسوسيولوجيا:

يعتبر انتماء آلان تورين للسوسيولوجيا بأنه لم يكن وليد الصدفة، فانتمائه كان من أجل المشاركة في تغيير العالم، وهذا ما يتجلى في مختلف أعماله السوسيولوجية، فانتمائه لهذا الحقل المعرفي يعتبر شرطا لقيام السوسيولوجيا كعلم والتزام.

ويدل مصطلح الفاعلانية على كل ما قدمه آلان تورين من أعمال، وهي طريقة سوسيولوجية تسعى إلى وضع عالم الاجتماع في موقع يمكنه من إنجاز دراسات وأبحاث حول المجتمعات الصناعية. ويشكل كتابه الذي يحمل عنوان "من أجل علم الاجتماع" pour la sociologie ميلاد التدخل السوسيولوجي الذي يهدف إلى دراسة مختلف الحركات الاجتماعية، حيث يفترض الانخراط في الحركة ودراسة الفعل من داخلها دون تبني ايديولوجية الفاعلين (القائمين بالفعل)، وهو ما عبر عنه بقوله "أقبل بالانخراط في الحركة، لكن أن أكون حرا تجاه تنظيمها".

ومن المعلوم أن التحليل الفاعلاني عند آلان تورين يرتبط بمجموعة من المفاهيم الرئيسية، منها على سبيل المثال: التاريخانية، الحركات الاجتماعية، الذات الفاعلة.

وهذه المفاهيم نجدها مترابطة فيما بينها عند آلان تورين من خلال رفضه لكل الفلسفات الاجتماعية التي حاولت تفسير المجتمع بمبدأ غير اجتماعي، مثل الوصاية الإلهية، والقانون، والحاجات الطبيعية، خاصة تلك التي اعتبرت بأن المجتمع غير مرتبط بإرادة الفاعل. لذلك يقدم لنا آلان تورين مفهوم التريخانية الذي يدل على المعنى الذي يتخذه الفعل عند الفاعل. إذ سيقوم بدراسة الفعل عند الفاعل باعتباره فعل تاريخي، يخضع للتوجهات الكبرى من خلال مقولة نسق الفعل، مركزا على التناقضات والصراعات الاجتماعية التي تحرك الفاعلين من داخل المجتمع.

وسوف يهتم آلان تورين بدراسة الحركات الاجتماعية حيث سيعرفها بأنها "فعل موجه ثقافيا وتصارع اجتماعي يقوم به فاعل معرف من خلال وضعه المسيطر أو التابع داخل امتلاك التاريخانية"، فالهدف من الحركات الاجتماعية هو تحرير الذات من الهيمنة التي يمارسها النظام على الفرد عبر تغيير العالم عن طريق العقل والتقنية والتقدم، والذات عنده تتجسد في الفاعل الاجتماعي المرتبط بالعلاقات والصراعات الاجتماعية. فالذات بالنسبة لتورين هي الفاعل "عندما يكون على مستوى الفاعلية التاريخية لإنتاج توجهات كبرى معيارية للحياة الاجتماعية". وهذه الذات هي نفسها حركات اجتماعية.

وما يميز أعمال آلان تورين أنه يدافع عن فكرة مهمة وهي ألا يصبح الفرد مثل بيدق يتم التلاعب به من طرف النظام، أي ألا يكون مستعبدا أو داخل مصفوفة يتم برمجته وفق نمط اجتماعي وإيديولوجي يخدم فئة أقلية متحكمة في وسائل الإنتاج. فالفرد عند آلان تورين يمكن أن يكون فاعلا، لأنه حر في توجهاته واختياراته وقادر على تغيير محيطه. ولا يمكن أن يكون ذاتا فاعلة إلا حينما يؤمن بفرديته على الفعل عبر تحرير نفسه من كل أشكال التحكم التي يمارسها المجتمع المبرمج.

لهذا نجد أن السوسيولوجيا مع ألان تورين تجسد نفسها كعلم وممارسة والتزام باعتبارها "معرفة نضالية" بامتياز. إنها علم للتحرر من آليات الهيمنة بكل تلاوينها وأشكالها "المادية والمعنوية" حينما يعمد السوسيولوجي إلى تفكيكها وتوضيحها للحركات الاجتماعية من أجل الدفع بها نحو التغيير بهدف امتلاك التاريخانية، لأن السبب في ذلك أن الفعل هو الذي يحدد الأوضاع والظروف، ومن المستحيل دراسة الحركات الاجتماعية من دون أن ينخرط فيها عالم الاجتماع، لأن الموضوعية الباردة بحسب آلان تورين تتعارض بشكل كبير مع حرارة الحركات الاجتماعية.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-