القطع السوسيولوجي بالنسبة للباحث

القطع السوسيولوجي بالنسبة للباحث 

القطع السوسيولوجي بالنسبة للباحث :

هو الذي يحتم على الباحث نوع مغاير من الوعي بموضوع بحثه، فنظرا لأن هناك تشابه بين الإنسان موضوع البحث من ناحية والباحث من ناحية أخري من حيث خصائصهما وسماتهما العامة فكلاهما بشر، لذلك فالباحث يكون لديه نزعة طبيعية نحو الإعتقاد بأنه يفهم ويعلم ما يعيشه الأول - الإنسان موضوع البحث - بالرغم من الأسئلة التي يوجهها إليه، ذلك لأن الفلك الذي يدور فيه الإثنان هو الحقل الإجتماعي.

لذلك لابد أن ننتبه هنا إلى مشكلة ربما تنسف بكل مجهودات البحث، وهي محاولة الباحث إسقاط تصوراته العامة والمسبقة على موضوع البحث.

ويقول بيير بورديو في هذا الخصوص:

"يشكل الإقتراب الطبيعي من العالم الإجتماعي، العقبة الإبستمولوجية – المعرفية - الرئيسية، حيث أنها تتمخض باستمرار عن مفاهيم أو عن تحاليل وهمية وجامدة، وتتمخض أيضا عن شروط الإقتناع بصحة تلك المفاهيم والتحاليل".

وإزاء ذلك فمن السهولة بما كان أن نقع في خطأ إسقاط تصوراتنا العامة علي نتائج البحث، فنجري عملية إستنتاج مسبقة لنتائج كل بحث من الأبحاث الإجتماعية الميدانية، وأن نقول أنها كذا و كذا... تبعا لأفكارنا المسبقة والكثيرة والمتفشية في العالم كله، فالافكار المسبقة موجودة في ذهن الباحث الإجتماعي كما هي في ذهن أي إنسان آخر، فينمو كل واحد منهما بنزعات فكرية معينة تشمل كل أوجه الحياة، وتبعا لهذه الخاصية المشتركة يسهل إطلاق الأحكام المسبقة.

إلا أن مهمة الباحث الاجتماعي عكس ذلك، لأنها تفرض عليه ملاحظة الواقع الاجتماعي في تنوعه المستمر، ومنها تتجلى ضرورة منهجية تلزم الباحث إجراء عملية القطع السوسيولوجي تجاه الموضوع الذي ينصب على دراسته، واعتباره شيئا ما خارج التجربة الإجتماعية الشخصية.

وإذا أردنا أن ندعم ذلك بأمثلة على أهمية مبدأ "القطع السوسيولوجي" نجد الدراسات التي قام بها الباحث الأمريكي "لازارسفلد" والتي كذبت بعض الشائعات في الشارع الأمريكي، كالقول بأن الجنود المتعلمين أكثر عرضة من غير المتعلمين للإصابة بالأمراض العصبية، وكذلك القول بأن الجنود السود أقل طموحا من الجنود البيض في الجيش الأمريكي، لكونهم ينتمون إلى العرق الكسول، وقد أثبت هذا العالم الإجتماعي من خلال بحثه الميداني ما يخالف هذه الأفكار التي كانت رائجة، حيث توصلت الدراسة الميدانية للواقع الاجتماعي؛ أن غير المتعلمين من الجنود هم الأكثر عرضة للإصابة بالحالات العصبية من المتعلمين، وان الجنود السود أكثر نشاطا ومثابرة بسبب دوافع الطموح لبلوغ مراتب عليا.

كما يمكن أن ندعم بأمثلة محلية حيث أن هناك أحكاما وأفكارا مسبقة حول العديد من المسائل ذات الصلة بحياتنا الإجتماعية، منها أن عدد ونسبة الإناث في مجتمعنا أكثر بكثير عددا ونسبة من الذكور في إطار ما يعرف بالتركيبة الديموغرافية.

وهذا لا يعني أن جميع الأفكار العامة هي مغلوطة وخاطئة، لكن النزاهة العلمية للباحث الإجتماعي تفرض عليه أن ينطلق من جميع الأفكار على أساس أنها ليست كما هو مطروح في الواقع الإجتماعي المعاش، حيث أن هذا يجعل ذهنه أكثر انفتاحا على الظاهرة وأكثر تتبعا لوجود الجديد فيها.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-