الاشهار ودوره في تكريس وترسيخ بعض التمثلاث للسعادة - الانسان المغربي نموذجا

  • الاشهار ودوره في تكريس وترسيخ بعض التمثلاث للسعادة - الانسان المغربي نموذجا

  •  بقلم: ذ. عبد الحفيظ أيت القائد

أستاذ مادة الفلسفة وباحث في شعبة علم الاجتماع

الاشهار ودوره في تكريس وترسيخ بعض التمثلاث للسعادة - الانسان المغربي نموذجا

يعيش الانسان المغربي اليوم في وسط مجتمع استهلاكي يؤدي فيه الاشهار دورا أساسيا في خلق نماذج من الرغبات لا ترتبط بالأساس دائما بحاجات الانسان الضرورية، فالإحساس بالسعادة عنده يكمن في شراء سيارة فاخرة وجميلة وذات مواصفات خاصة كما يريدها الاخرين من الناس (الغير ) داخل المجتمع الذي يتواجد فيه، فهنالك أيضا بعض النساء عادة ما يربطن سعادتهن بشراء المرهمات التجميلية التي ستعيد لهن شبابهن وبشرتهن الجذابة حسب اعتقادهن، وذلك حسب مغريات الاشهارات لتخلق لديهن الإحساس بالجمال الذي هو أساس السعادة في اعتقادهن فمواضيع الاشهارات التي تبث في معظم مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أصنافه تختلف وتتنوع ولكن اللغة تبقى واحدة وهو الاتجاه نحو صناعة مجتمع استهلاكي بامتياز تحت شعار " أنا استهلاك إذن أنا موجود" ، فالمجتمع المغربي اليوم تحول من الصلبة إلى السائلة حسب تعبير السوسيولوجي البولندي زيغمونت باومان (1) في كتابه الحداثة السائلة و هي مصطلح أطلقه عالم الاجتماع زيجمونت باومان للوضع الحالي للعالم على النقيض من الحداثة «الصلبة» التي سبقتها. وفقا لبومان، فإن الانتقال من الحداثة «الصلبة» إلى الحداثة «السائلة» خلق بنية جديدة وغير مسبوقة لمساعي الحياة الفردية، حيث واجه الأفراد بسلسلة من التحديات التي لم يسبق لها مثيل من قبل. لم يعد لدى الأشكال والمؤسسات الاجتماعية الوقت الكافي لتوطيدها ولا يمكن أن تكون بمثابة أطر مرجعية للأعمال البشرية وخطط الحياة طويلة الأجل، لذلك يتعين على الأفراد إيجاد طرق أخرى لتنظيم حياتهم وهذه الصورة النمطية هي ما يسعى المجتمع الحالي تكريسها في وعي الأفراد هذا بالإضافة أيضا إلى التفاوت الواضح في ظروف المعيشة باعتباره نتيجة لتعدد اختيارات أسلوب الحياة هذا من جهة، وكذالك السعي وراء تكريس مشروع نموذجي حديث طامع إلى تأسيس نظام اجتماعي مثالي من جهة أخرى، فأدرنوا في كتابه "جدل التنوير" يؤكد فيه أنا تاريخ الأديان القديمة وكذلك تاريخ الأحزاب والثورات الحديثة يعلمنا أن ثمن البقاء هو تحويل الأفكار إلى هيمنة، وعندما نتجه إلى البحث في تصورات الناس للسعادة نلاحظ مدى اختلافهم في تصورها، حيث أن كل واحد منهم يدرك تصوره للسعادة حسب أحواله وظروفه فالمريض قد يربط سعادته بالصحة والفقير بالغنى...،فغالبية الناس يربطون السعادة بثمتلات حسية وجزئية (كالثروة والصحة...)، وهي حالات مشروطة ومتغيرة. ولا يمكن اعتمدا عليها سوى أن تقدم إلا سعادة تشكل نموذجا خياليا كما صرح بذلك الفيلسوف الألماني ايمانويل كانط في كتابه " أسس ميتافزيقيا الاخلاق"، وبهذا يبقى السؤال الموجه إليك كقارئ لهذا المقال هل طلب السعادة غاية في ذاته؟ أم أننا نطلب السعادة من أجل الذات أم من أجل الأخر؟ أكيد أن الجواب المزعم تقديمه لهذا السؤال سيختلف حسب تمثلنا للسعادة هل نربطها بمعطى حسي أم عقلي تأملي؟

المراجع:

  • أرسطو"الاخلاق إلى نيقوماخ" الكتاب العاشر، نقلا عن كتاب أرسطو المعلم الأول، ماجد فخري، الاهلية للنشر والتوزيع، طبعة
  • 2، 1977، ص:179-180.
  • امانويل كانط، "أسس ميتافزيقيا الاخلاق"، ترجمة محمد فتحي الشنطي، دار النهضة العربية، بيروت 1970 ص:102-104
  • زيغمونت باومان "الثقافة السائلة"، ترجمة، حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

(1) كتاب "الحداثة السائلة" ،لعالم اجتماع البولندي زيغمونت

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-