النظرية الفردية: علم النفس الفردي ( individual psychology)

 

النظرية الفردية: علم النفس الفردي

  • النظرية الفردية: علم النفس الفردي Individual Psychology -

  • بقلم: الأخصائية والباحثة الاجتماعية منار إبراهيم المقحم


١- تمهيد:

يتيح العالم المتصل عالميًا وقنوات الاتصال الجديدة للباحثين والممارسين تطبيق النظريات الفردية في المجتمعات والأماكن البعيدة عن تلك التي تم تطويرها فيها، من خلال مشاركة الدروس المستفادة. وعليه فإننا نلاحظ الشعبية المستمرة التي تمتاز بها النظريات الفردية في الاتجاهات الحديثة، ويتم تطبيق نظريات القرن العشرين بطرق جديدة في القرن الحادي والعشرين، حيث يتم تقديم تدخلات السلوك الصحي بشكل فعال من خلال الوسائل الإلكترونية (Webb,others,2010)


وامتد استخدام النظريات الفردية إلى ما هو أبعد من السلوكيات الصحية التقليدية التي تم تطوير معظمها في الأصل لدراسة ظواهر متنوعة. وهنا نكتسب نظرة ثاقبة حول كيفية تأثير الثقافة والإعداد على قابلية تعميم هذه النظريات (King،2015). وتكمن جاذبية النظريات الفردية في تطبيقاتها القوية المحتملة لأبحاث وممارسات السلوك الصحي، على سبيل المثال، يمكن تشكيل مخطط لتطوير التدخل وتقييمه، من خلال المساعدة في تحديد المحددات الرئيسية للسلوك الصحي من ناحية التأثير والقياس. ويمكن أيضًا استخدام النظريات للتنبؤ بالإجراءات الصحية المستقبلية، وبشكل عام لمساعدة المختصين على التدقيق في السلوك المتعلق بصحة الإنسان. وتشكل النظرية الفردية التي تعد فرع أساسي من موضوعات علم النفس الفردي الذي يُعرف باسم علم نفس "Adlerian"، أهمية كبيرة للباحثين والممارسين في ميدان النظريات الفردية ومجال التدخل الصحي والمهني. ومبدئيًا نقول إن علم النفس الفردي، الذي طوره ألفريد أدلر، يعد نظرية للسلوك البشري، ونهج علاجي يشجع الأفراد على تقديم مساهمات إيجابية في المجتمع، وكذلك لتحقيق السعادة الشخصية. ومن الجدير بالإشارة إليه أن هذه النظرية تميل إلى التركيز على المتغيرات المعرفية، مثل المواقف، والمعتقدات، والتوقعات، والعوامل المؤثرة. كما وتركز على الحاجة الأساسية للانتماء، وأهمية الانخراط في الإجراءات البناءة (Adler1956).

٢- مقدمة:

يعتقد ألفريد أدلر، مؤسسها، أن كل سلوك موجه نحو هدف، وبأن الأفراد لديهم دوافع للبحث عن الانتماء، أو الأهمية والمعنى في حياتهم، من خلال الطريقة التي يعملون بها في النظم الاجتماعية (Adler 1956). ويعتقد أن الأفراد يتعلمون كيفية الانتماء والتفاعل مع الآخرين في بيئتهم الاجتماعية الأولية "أسرهم"، وعلى تأكيد مكانة الفرد في نظام الأسرة، وترتيب الولادة النفسي، وديناميات الأسرة، ومحاولة تجنب مشاعر الدونية (Carlson et al.2006). ويرى أيضًا أن جميع الأفراد لديهم هدف مشترك، وهو التطور نحو الأفضل أو النضال من أجل التفوق، لكنهم يختلفون في الأساليب التي يتبعونها لتحقيق هذا الهدف، فكل فرد يتبع أسلوبًا معينًا يناضل من خلاله، ليحقق هذا الهدف، وهذا الأسلوب هو المؤثر في ردات الفعل نحو المشكلات المواجهة.

فنرى أن أدلر قد صاغ فهمًا للطبيعة البشرية، ولم يصورنا فيه ضحايا للغرائز، والصراعات، والقوى البايولوجية، وتجارب الطفولة. بل أن الانحراف عند للفرد يعد وسيلة لجذب الانتباه لذاته، وتعويضًا لما يعانيه من الشعور بالنقص أو الدونية، وهذا الشعور قد ينتج عند النقص الجسماني، أو العقلي، أو الاقتصادي، مما يثير في الفرد ردود أفعال عنيفة عند الفشل في التعويض عنه. وعمومًا الإنسان لديه رغبة الانتماء إلى الجماعة، وحصوله على مكانة فيها، وفي هذه الحالة قد تنمو لديه رغبة تجاه السلطة والسيطرة، أو قد يصاب بعقدة نقص، وحينما يصبح الفرد على دراية بفشله وقصوره فإنه غالبًا ما يلجأ إلى تعويض ذلك الشعور تعويضًا مبالغًا. وكل فرد يسعى للتطوير والكمال بطريقته الخاصة، وهذا ما وصفه بنمط الحياة، ويتشكل هذا النمط عند الفرد في مرحلة الطفولة المبكرة، ويتم تحديده جزئيًا من خلال الحياة التي أثرت عليه بشدة خلال سنوات تكوينه، ويستمر السعي إلى التفوق، مع رغبة فطرية أخرى مثل التعاون والعمل مع الآخرين من أجل الصالح العام. و قد وصف هذه الرغبة بالمصلحة الاجتماعية.
٣- تقديم النظرية الفردية:

علم النفس الفردي هو مجموعة نظريات الطبيب النفسي النمساوي ألفرد أدلر، الذي رأى أن الدوافع الرئيسية للفكر والسلوك البشري تجعل الفرد يسعى للتفوق والقوة من أجل التعويض عن إحساسه بالنقص جزئيًا، وأن لكل فرد سلوك فريد من نوعه باختلاف بنيته الشخصية، بما في ذلك هدفه المستقل وطرقه في السعي من أجله، فنلاحظ أن لحياته أسلوبًا تعبيريًا يعبّر فيه عن إبداعه. وبالرغم من ذلك، لا يمكن الاعتبار بأن الفرد منفصل عن المجتمع، فجميع المشكلات الرئيسية، بما في ذلك مشكلات العلاقات الإنسانية سواءً العامة والعاطفية منها، تعد مشاكل اجتماعية.

ويؤكد علم النفس الفردي أن الدافع المهيمن لدى معظم الناس هو السعي إلى التفوق، أي إدراك الذات أو الكمال. ولكن قد يكون هذا السعي إلى التفوق محبطًا بسبب الشعور بالقصور، أو النقص الناجم عن العيوب الجسدية، أو الوضع الاجتماعي المنخفض، أو التدليل، أو الإهمال أثناء الطفولة، أو يعود لأسباب أخرى. فمن الممكن للفرد تعويض مشاعره بالنقص من خلال تطوير مهاراته وقدراته، أو قد يكون على النقيض من ذلك، بشكل غير صحي؛ على سبيل المثال، قد يطور عقدة النقص تلك التي تهيمن على سلوكه، من خلال التعويض الزائد بالسعي الأناني للسلطة والتصرف بسلوك متضخم على حساب الآخرين.

وبهذا الصدد يقول أدلر: "الآن بدأت أرى بوضوح أن دافعية كل ظاهرة نفسية هي: (النضال من أجل التفوق)":

فالحقيقة الأساسية تكمن في وصفه لفكرة الكفاح من أجل التفوق، فهي الهدف النهائي الذي يكافح من أجله كل شخص، ولكنه لم يقصد هنا بالكفاح من أجل التفوق ليكون أعلى من شخص آخر في المركز أو الامتياز، كما لم يعن الميل للاستبداد والتعالي، ما عناه هو الكمال، ووصفه بألفاظ متباينة: "الكفاح نحو الأعلى، الاندفاع من الأسفل إلى الأعلى، أو الدفع من السلب إلى الأيجاب"، هذا الدفع العظيم للأعلى يوازي النمو العضوي، وهو جزء ضروري في الحياة.

وهناك العديد من النتائج التي قد تحدث نتيجة سعي الطفل لحصوله على التعويض، أولاً، إذا تلقى الطفل ما يكفي من الرعاية، يمكن أن يتقبل تحدياته ويتعلم كيفية التغلب عليها بالعمل الجاد. فالطفل هنا ينمو بشكل طبيعي، وتتطورالشجاعة لديه بحيث يكون غير كامل (لازارسفيلد ، 1966 ، ص 163-165). بينما يعد "التعويض المفرط" في بعض الأحيان انحرافًا لعملية التعويض. وذلك يحدث عندما تزداد المشاعر الدونية لتصبح شديدة للغاية، فيبدأ الطفل بالشعور كما لو أنه لا يتحكم في محيطه، فيبذل قصارى جهده للحصول على التعويض، لدرجة أن التعويض قد لا يكون كافيًا. ويتحول ذلك الشعور لحالة من التعويض المفرط، حيث يكون تركيز الطفل على تحقيق هدفه تركيزًا مبالغًا فيه. على سبيل المثال، الشخصية اليونانية القديمة Demosthenes، الذي كان يعاني من تلعثم رهيب، ولكن انتهى به الأمر ليصبح الخطيب الأعظم في اليونان. وقد يحدث خلاف ذلك، فالتعويض المفرط قد يتطور من عقدة النقص إلى الافتقار لاحترام الذات، حيث يكون غير قادر على معالجة شعوره بالنقص، فيسعى لتحقيق النجاح بطرق أخرى مختلفة، قد تكون نافعة أو ضارة.

إضافة لذلك، إن الأطفال عند بداية تجربة العالم من حولهم، فإنهم يشعرون فورًا بالنقص وعدم الكفاءة خلال تلك التجربة، تحديدًا خلال التجارب المبكرة، فيشعرون بالحاجة إلى جذب انتباه الوالدين، فتتشكل هنا أهداف الطفل الوهمية اللاواعية، وتلح عليه الحاجة للسعي نحو تصحيح هذا النقص أو الضعف، من خلال تطوير نقاط القوة الأخرى.
٤- تفسير الدافعية الإنسانية عند أدلر وفرويد:

بالرغم من انتماء أدلر إلى مدرسة التحليل النفسي، إلا أنه بدوره يفسر أن السلوك الإجرامي بالأصل يعود إلى الشعور بالنقص، وإلى فطرة الإنسان للتفوق، حيث أن الشعور بالنقص يمثل المصدر الأول لكل نشاط إنساني، وغاية كل فرد هي السيطرة والتفوق، أما الجريمة في نظره شأنها شأن المرض النفسي والشذوذ الجنسي، تأتي نتيجة صراع بين غريزة الذات أي نزعة التفوق، وبين الشعور الاجتماعي.

بينما ركز "فرويد" بشكل أساسي على العمليات الداخلية فقط كالنزعة الجنسية، التي تؤثر على دافعية الفرد. ولكن أدلر مصممًا على أنه لكي نتمكن من فهم الفرد بشكل كامل، يجب على عالم النفس مراعاة العوامل الداخلية الأخرى، بالإضافة إلى العوامل الخارجية. كما أن نظرية أدلر تركز على إرادة القوة والتفوق، وبلوغ الكمال، وقهر الإحساس بالنقص أو القصور، فهي الدافع الرئيسي لدى الإنسان. فالإنسان في سعيه إنما يهدف بأن يحقق ذاته داخل مجتمعه كأفضل ما يكون التحقيق، مع الملاحظة أن التحقيق الأفضل للذات معياره مختلفًا بين الأفراد، فبينما يراه البعض يكمن في القوة، والمال، والأمور الأنانية الضيقة، إلا أن آخرون يرونه في تحقيق الأهداف النبيلة ذات الطابع الاجتماعي، والتي تؤدي بدورها إلى تقوية المجتمع ومساعدته على النهوض، وتحقيق تقدمه ورفعته.

ويعد النضال من أجل التفوق بديلًا للجنس عند فرويد، كما أن الشعور بالنقص يعد بديلًا عن القلق عند فرويد، وأسلوب الحياة بديلًا عن ميكانزمات الدفاع. إذًا الفرد عند أدلر غائي، فيشير إلى أن أساس المرض النفسي ينتج عندما تكون هذه الغائية قائمة على إدراكات أو قناعات غير واقعية.

على سبيل المثال: يوجه أدلر انتباه المريض إلى الطابع السلبي لديه، وذلك عند محاولاته في التعامل مع مشاعره الدونية، وبمجرد أن يصبح الفرد على دراية بهذه المحاولات، يتم بناء احترام الذات، ومساعدته على تبني أهداف أكثر واقعية، وتشجيعه للقيام بسلوكيات ذات منفعة داخل مجتمعه. إضافة لذلك، يعتقد أدلر أن العنصر النفسي الأساسي للعصاب هو الشعور بالنقص، وأن الأفراد الذين يعانون من أعراض هذا الاضطراب قد أمضوا حياتهم في محاولة التغلب على مشاعر معينة، دون أن يكونوا على اتصالًا بالواقع (وايت، 1917).






تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-